Credit: JohnnyGreig/iStock by Getty Images

اقتصادات آسيا يمكن أن تتبنى الخدمات لتعزيز النمو والإنتاجية

ظلت الصناعة التحويلية هي قاطرة النمو في آسيا، ولكن التحول إلى خدمات حديثة قابلة للتداول يمكن أن يجعلها مصدرا جديدا للنمو والإنتاجية.

لقد ازدهرت آسيا إذ أصبحت مصدر أكثر من نصف ناتج المصانع على مستوى العالم، غير أنها تشهد تحولا آخر نحو الخدمات الأعلى إنتاجية، وهو ما ينطوي على إمكانية تحقيق مزيد من الدعم للنمو.

فعادة ما تنتقل الوظائف والإنتاج من الزراعة إلى التصنيع ثم إلى الخدمات، كجزء من التقدم الطبيعي الذي يصاحب ارتفاع الدخل. واليوم، بلغ العديد من البلدان الآسيوية - بما في ذلك الصين وإندونيسيا وكوريا وتايلاند - مستويات تصنيعية عالية للغاية. وإذا كان لنا أن نسترشد بالتاريخ، فإن حصة الصناعة من الإنتاج سوف تتقلص، مع انتقال مزيد من النشاط إلى الخدمات.

والواقع أن نمو الخدمات جذب بالفعل نحو نصف العاملين في المنطقة إلى هذا القطاع، فارتفعت نسبتهم مما لم يكن يتجاوز 22٪ في عام 1990، مع انتقال مئات الملايين من المزارع والمصانع. ومن المرجح أن يتسارع هذا التحول مع زيادة توسع التجارة الدولية في الخدمات الحديثة مثل التمويل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فضلا على الاستعانة بمصادر خارجية في قطاع الأعمال (كما حدث بالفعل في الهند والفلبين، على سبيل المثال). وعلى العكس من ذلك، فإن الخدمات التقليدية، مثل السياحة أو خدمات التوزيع، تتسم بإنتاجية أقل كما أن مساهمتها أقل في النمو الاقتصادي.

كلما ازدادت البلدان ثراء، انتقلت من الزراعة إلى المصانع ثم إلى الخدمات

وينبغي لصناع السياسات تبني هذا التحول إلى الخدمات الحديثة لأنها تحقق إنتاجية أعلى، كما نوضح في مذكرة تحليلية مرفقة بعدد أكتوبر 2024 من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ. والتحول بقدر أكبر إلى اقتصاد قائم على الخدمات يقترن بفرص أكبر للنمو اقتصادي، شريطة وجود السياسات الصحيحة.

وتشكل الإنتاجية متغيرا مهما عند النظر في أي القطاعات هي الأفضل في تحقيق النمو خلال السنوات القادمة. وإنتاجية الصناعة التحويلية في آسيا قريبة بالفعل من مستوى البلدان الرائدة على مستوى العالم، ومن ثم، فإن مواصلة الجهود لتحسينها لن يثمر سوى مجالا محدودا لدفع الإنتاجية والنمو. وعلى العكس من ذلك، فإن الخدمات في آسيا لا تتميز بنفس مستوى الكفاءة، وبالتالي لا يزال أمام اقتصادات المنطقة المزيد من المكاسب التي يمكن أن تحققها من اللحاق بركب البلدان التي لديها أكثر قطاعات الخدمات كفاءة.

وإضافة إلى ذلك، يحقق العديد من قطاعات الخدمات مثل التمويل وخدمات الأعمال، إنتاجية أعلى مما تحققه الصناعة التحويلية، وهو ما يعني مزيدا من المساهمة في النمو. فعلى سبيل المثال، وكما يتضح من تحليلنا الجديد، إنتاجية العمالة في قطاع الخدمات المالية في آسيا تبلغ أربعة أضعاف إنتاجيتها في قطاع الصناعة التحويلية، كما أنها ضعف الإنتاجية في قطاع خدمات الأعمال.

إنتاجية خدمات التمويل والأعمال الأعلى تساعد على دعم النمو 

ومع ذلك، تحتاج البلدان إلى تهيئة الظروف المناسبة للاستفادة من الخدمات. فقد استفادت الصناعة التحويلية من انخفاض تكاليف التجارة وزيادة التكامل العالمي، ولكن قطاعات الخدمات في آسيا محمية نسبيا، وهو ما يمكن أن يعوق التقدم. وتواجه الشركات الأجنبية التي تأمل في دخول قطاع الخدمات في آسيا قيودا مختلفة، تماما مثل التعريفات الجمركية على الزراعة التي تتسم بارتفاعها في المنطقة، والتي يبلغ متوسطها 12% مقابل 7,5% على مستوى العالم. وتشمل هذه القيود الحظر التام، وشروط إصدار الموافقة، والتواجد على المستوى المحلي، وارتفاع معدلات الضرائب.

وينبغي أن يدرك صناع السياسات أيضا أن العاملين الذين يتركون العمل في قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية يحتاجون إلى المهارات اللازمة للعثور على وظائف ملائمة في مجال الخدمات. ومع إحلال موجات من التكنولوجيا الرقمية الجديدة محل بعض الوظائف مثل وظائف الدعم الكتابية، ينبغي أن تضمن السياسات الحصول على خدمات الإنترنت ووسائل التكنولوجيا على نطاق واسع، وإدخال التعليم والتدريب لتطوير قوة عاملة ماهرة رقميا تكون قادرة على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي.

ومع توقع تباطؤ النمو في كثير من البلدان الآسيوية بسبب سرعة شيخوخة السكان، فإن تعزيز الإنتاجية من خلال زيادة الخدمات الإنتاجية عنصر أساسي لنجاح آسيا في المستقبل.

—- تستند هذه التدوينة إلى مذكرة تحليلية بعنوان "التحول الهيكلي في آسيا: الماضي والآفاق المتوقعة"، في عدد أكتوبر 2024 من تقرير "آفاق الاقتصاد الإقليمي لآسيا والمحيط الهادئ*". 

* باللغة الإنجليزية